لم تقتصر إسهامات نيوتن العلمية على اكتشاف الجاذبية وقوانينها، كما لم تقتصر اهتماماته على العلوم، بل تخطتها إلى اللاهوت، فتحدث عن قضايا شائكة في المسيحية كما تحدث عن تاريخ نهاية العالم.
اشتهر العالم الإنكليزي إسحاق نيوتن باكتشافه قانون الجاذبية، فكان بذلك أحد قادة الثورة العلمية في القرن الـ17.
لكن إنجازات نيوتن لم تقتصر على هذا الاكتشاف فحسب، وتخطته إلى إنجازات كثيرة ومهمة في الفيزياء والضوء والحركة والرياضيات والفلسفة. وكانت له كتبات في اللاهوت وآراء نقدية لبعض الممارسات الدينية المسيحية ومعتقداتها.
قبل الحديث عن اكتشافات نيوتن وإنجازاته لنتعرف إلى هذه الشخصية التي أسهمت بتغيير وجهة العلم وثورته.
من هو اسحاق نيوتن؟
و السير اسحاق نيوتن (Sir Isaac Newton)، عالم انكليزي في الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعالم فلك وعالم لاهوت. هو أيضاً مؤلف ومخترع وواحد من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء في كل العصور ومن أكثر العلماء تأثيراً. كان شخصية رئيسية في الثورة الفلسفية المعروفة باسم "عصر التنوير".متى وُلد اسحاق نيوتن؟
وُلِد إسحاق نيوتن في 25 كانون الأول/ديسمبر من العام 1642بحسب توقيم انجلترا وفي 4 كانون الثاني/يناير من العام 1643 وفق التقويم الميلادي.المنزل الذي وُلد فيه إسحاق نيوتن في وولثورب بانجلترا
ولد إسحاق نيوتن في لينكولنشاير (Lincolnshire) بوولثورب (Woolsthorpe) في انجلترا. وُلد قبل الأوان، بشهرين أو 3 أشهر من موعد الولادة الطبيعي، فكان مولوداً صغير الحجم.كان الابن الوحيد لموظف محلي، يدعى أيضاً إسحاق نيوتن. توفي والده قبل 3 أشهر من ولادته. أما والدته فهي هانا أيسكو (Hannah Ayscough)، وكانت شبه أمية.
تزوجت والدته بعد سنتين من وفاة والده، بالوزير الميسور برناباس سميث (Barnabas Smith). ولأن الزوج لم يرغب بالطفل نيوتن، فقد تركته والدته لدى جدته (لوالدته) لتعتني به. وهذا ما يفسر، بالنسبة لبعض المؤلفين، عدم زواج نيوتن.
رسم يجسد والدة إسحاق نيوتن هانا أيسكو
طفولة نيوتن
كان نيوتن طفلاً حساساً بطبيعته، يفضل اللعب مع الفتيات على الصبيان. لم يستغرق خاله وقتاً طويلاً ليتأكد من أن نيوتن غير مؤهل للعمل الزراعي، فأرسله إلى المدرسة.تمتع نيوتن بكل من البراعة اليدوية والذكاء اللامع، ولم يتمكن من بناء علاقات طيبة مع الطلاب الآخرين، وستكون هذه سمة من سمات شخصية نيوتن التي رافقته طيلة حياته.
انفصل نيوتن عن والدته لمدة 9 سنوات، حتى وفاة زوجها سميث في العام 1653. ونُسبت ميوله العدوانية الواضحة إلى حدث الانفصال العاطفي عن أمه والذي كان صدمة للطفل نيوتن.
مدرسة نيوتن كينجز في جرانثام (1655-1659)
عندما قام نيوتن بتقييم حالته الروحية في العام 1662، قام بكتابة قائمة بخطاياه باختصار، ومما كتبه: "تهديدي والدي ووالدتي سميث بحرقهما وإحراق المنزل معهما".فالشعور الحاد بعدم الأمان، والقلق الشديد والعنف غير العقلاني، رافق نيوتن طوال حياته. وقد يُعزى إلى انفصاله عن والدته في سنواته الأولى.
كان نيوتن طفلاً عملياً وموهوباً، فقد استمتع ببناء بعض النماذج، منها طاحونة صغيرة تعمل بفأر يجري داخل عجلة.
متى توفي نيوتن؟
توفي السير إسحاق نيوتن في الـ31 من آذار/مارس من العام 1727، عن عمر ناهز الـ84 عاماً، وهو نائم في سريره.أُقيم له مأتم وحفل تأبيني وصفه المؤرخون بـ"الفخم" ودُفن في وستمنستر آبي (Westminster Abbey) في لندن.
حياة نيوتن الجامعية
غرفة إسحاق نيوتن أثناء وجوده في كامبريدج حيث تم زرع شجرة تفاح أمام نافذتها
في العام 1661، التحق نيوتن بكلية ترينيتي (Trinity) في كامبريدج (Cambridge) بصفته سيزار (sizar)، أي طالب فقير مسؤول عن إفراغ أواني الحجرة وحمل الحطب مقابل الحصول على دراسات مجانية. هذا الوضع، الذي كان يعتبر مهيناً بشكل خاص لشاب أصبحت والدته ثرية بعد ترملها للمرة الثانية، لم يتغير إلا في العام 1667 عندما أصبح "زميلاً"، إذ سيتقاضى راتباً وينال مسكناً.في العام 1665 أغلقت الجامعة مؤقتاً، بسبب وباء الطاعون الدبلي (الموت الأسود)، فعاد نيوتن إلى منزله في لينكولنشاير ومكث هناك لمدة عامين تقريباً. ووصف تلك الفترة بأنها "بداية عمري في الاختراع".
مسار اكتشاف قانون الجاذبية
وفقاً لنيوتن نفسه، فقد شهد خلال هذه الإقامة سقوط التفاحة الشهيرة. بعد سقوط التفاحة تساءل نيوتن عن سبب سقوط التفاحة بشكل مستقيم، وليس بشكل جانبي أو حتى ارتفعت إلى الأعلى.وهو الحدث الذي سمح له بإقامة علاقة بين سقوط جسم على سطح الأرض وحركة القمر.
بعد ذلك، رأى نيوتن أن كوكب الأرض يجذب كوكب القمر بالقوة نفسها التي أثرت على التفاحة. وهي القوة التي اختلفت في النسبة العكسية لمربع المسافة التي تفصل الأرض عن القمر. لكن نيوتن لم ينشر شيئاً حول اكتشافه، وسينتظر حتى العام 1687 ليقوم بذلك. إذ اعتبر أن الأمر لم يكن أكثر من مجرد حدس.
فهو كان بحاجة إلى تحسين نظريته، لا سيما لإثبات أن الأرض تتصرف تجاه الأجسام المحيطة، كما لو كانت كتلتها مركزة في مركزها. وهذا يتطلب تأسيس فرع جديد للرياضيات (أي حساب التفاضل والتكامل) وبالتالي استغرق وقتاً.
بداية، لم تؤكد حساباته الأولى أطروحته، لأن بياناته عن أبعاد الأرض كانت خاطئة.
سيتم تصحيح هذا الخطأ بعد 5 أعوام في فرنسا، من خلال قياسات نصف قطر الأرض بواسطة العالم الفيزيائي والفلكي الفرنسي جان بيكار Jean Picard (1682-1620)، لكن نتيجة هذه التجربة لن تصل إلى نيوتن إلا في العام 1682.
يُعتبر العام 1669، من التواريخ المهمة في حياة نيوتن الذي تسلم منصب عالم الرياضيات إسحاق بارو (1630-1677)، صاحب كرسي لوكاس المرموق.
تليسكوب نيوتن
بعد ذلك بعامين، اخترع نيوتن "التليسكوب" الذي اعتُبر أداة ثورية، ما فتح له أبواب الجمعية الملكية. هناك، سيلتقي بالفيلسوف الطبيعي والمعماري الانكليزي، وأحد أهم أعضاء الجمعية، روبرت هوك (1635-1703)، والذي سيصبح سريعاً عدواً شرساً له.
التلسكوب.. من انجازات اسحاق نيوتنستفصلهم أسئلة لا حصر لها منذ العام 1672، تاريخ جدلهم الأول حول طبيعة الضوء. سيتبع هذا الشجار العديد من الخلافات، إذ يدخل نيوتن أحياناً في غضب هستيري، لا سيما حول السدس وقانون الجاذبية. لن تنتهي حتى وفاة هوك في العام 1703.
نيوتن وهالي
في العام 1684، أدت زيارة قام بها عالم الفلك والرياضيات والفيزياء والأرصاد الجوية الإنجليزي إدموند هالي Edmond Halley (1656-1742) إلى قلب حياة نيوتن رأساً على عقب.
يريد هذا العالم الفلكي، الذي سيُطلق اسمه على مذنب شهير، أن يعرف مسار أي كوكب "إذا افترضنا أن قوة الجذب تجاه الشمس تتناسب عكساً مع مربع المسافة". فيجيب نيوتن: "القطع الناقص، لقد حسبته".
لكنه لا يستطيع العثور على ملاحظاته ووعوده بإعادة الحسابات. ثم كتب "De motu corporum in gyrum"، وهو كتيب من شأنه أن يكون أساساً لـ"المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" المستقبلية (1687)، والمعروف باسم "Principia".
يدرك نيوتن هناك، توليف قوانين كبلر بشأن مدارات الكواكب وقوانين غاليليو بشأن سقوط الأجسام. إنه يبني الفيزياء على قانون القصور الذاتي، والمبدأ الأساسي للميكانيكا ومبدأ الفعل ورد الفعل.
إلى هذه المبادئ الـ3، أضاف قانون الجاذبية المعبّر عنه بواسطة قوة تعمل على مسافة في الفراغ. وبالتالي بدون دعم مادي، لا تكتفي هذه الآلية الجديدة بتوضيح الحقائق الغامضة حتى الآن، مثل حركة الكواكب والأقمار والمد والجزر وما إلى ذلك، ولكنها تتيح أيضاً التنبؤ بالعديد من الظواهر الجديدة.
أصبح نيوتن رمزاً حياً في إنجلترا، وسيشغل مناصب مرموقة كمدير دار صك العملة ورئيس الجمعية الملكية، وهو المنصب الذي سيحتفظ به من العام 1703 حتى وفاته في العام 1727.
خلاف نيوتن والديكارتيين
لكن في فرنسا، تم رفض قوة الجذب العالمي بعنف من قبل الديكارتيين (نسبة إلى René Descartes). واتهموا نيوتن بإعادة تقديم التفسيرات السحرية على العلمية.
يعترف نيوتن بأن هذه القوة غير مفهومة، كما يعترف بأنه لا يعرف لماذا لا ينتهي الأمر بالنجوم إلى الالتصاق معاً تحت تأثير هذا الانجذاب. حتى أنه يعترف بأنه يعتمد على الله للحفاظ على الأجرام السماوية في مكانها. ثم حصل الجدل العلمي بين النيوتونيين والديكارتيين، والذي تركز على "شكل الأرض".
في الواقع، تتنبأ نظرية نيوتن بأن الأرض مسطحة قليلاً عند القطبين. لكن الديكارتيين يدّعون العكس تماماً، بناءً على قياسات خاطئة. وستتم تسوية الخلاف من خلال القياسات الجيوديسية (géodésiques) التي أجراها تشارلز ماري دو لا كوندامين Charles Marie de La Condamine (1701-1774) في بيرو (Pérou) وبيير لويس مورو دو موبرتويسPierre-Louis Moreau de Maupertuis (1698-1759) في لابلاند (Laponie).
عندما أثبتت النتائج أن نيوتن كان على حق في العام 1738، تخلى العديد من العلماء عن الديكارتيين.
أخيراً، في العام 1759، ستضمن عودة المذنب الذي يحمل حالياً اسم "هالي"، والذي تنبأت به الحسابات، انتصار نيوتن.
دخل نيوتن في نزاعات لا تليق بعالم عظيم مثله، لا سيما ضد عالم الفلك الملكي جون فلامستيد John Flamsteed (1646-1719) الذي استولى على أعماله بشكل غير ملائم، وضد غوتفريد ويلهلم ليبنيز Gottfried Wilhelm Leibniz (1646-1716) الذي اتهمه ظلماً بالسرقة الأدبية.
بالإضافة إلى "المبادئ"، كتب نيوتن في العام 1704 عمله العظيم الثاني، "Opticks"، حيث أيد وجهة نظر جسدية للضوء تتعارض مع وجهة نظر كريستيان هيغنز Christian Huygens (1629-1695)، صاحب نظرية الموجات الضوئية.
يقدم نيوتن أيضاً مساهمة مهمة في الرياضيات، لا سيما في دراسة السلاسل وفي إنشاء حساب التفاضل والتكامل مع ليبنيز (Leibniz).
رسم يجسد مكتب نيوتن حيث وقع انفجار واندلع حريق كاد يودي بحياته بسبب تجاربهأثبتت الأبحاث التي أجراها مؤرخو القرن الـ20 أن نيوتن أجرى سراً عدداً لا يُحصى من تجارب الكيمياء، وتذوق اختلاطاتها، وسمم نفسه بالزئبق. وانتهت التجارب في العام 1693 بانفجار معمله، حيث كاد أن يفقد حياته.
إنجازات نيوتن
من إنجازات نيوتن أنه أسس للميكانيكا الكلاسيكية، لنظريته عن الجاذبية الشاملة وخلق حساب التفاضل والتكامل متناهي الصغر، في منافسة مع العالم الألماني غوتفريد ويلهلم ليبنيز.دفعه اهتمامه بالبصريات، إلى اقتراح أن الضوء الأبيض هو في الواقع مزيج من الضوء لجميع ألوان قوس قزح. وهذا بدوره أوضح سبب الانحراف اللوني - إعادة إنتاج الألوان غير الدقيقة - في التليسكوبات اليوم.
لحل المشكلة، صمم نيوتن تلسكوباً سُمي بـ"تلسكوب نيوتن"، يستخدم المرايا بدلاً من العدسات الزجاجية فقط، ما سمح للجهاز الجديد بتركيز كل الألوان على نقطة واحدة، ما أدى إلى صورة أكثر وضوحاً ودقة.
حتى يومنا هذا، تعد التلسكوبات العاكسة، بما في ذلك تلسكوب هابل الفضائي، الدعائم الأساسية لعلم الفلك.
يعتبر عمله Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica، الذي نُشر في العام 1687، عملاً رئيسياً في تاريخ العلم.
يصف فيه القانون العام للجاذبية، ويصوغ قوانين الحركة العالمية الثلاثة، التي ظلت دون تغيير لأكثر من قرنين، ويضع أسس الميكانيكا الكلاسيكية. كما أجرى أبحاثاً في مجالات اللاهوت والكيمياء.
استخدم نيوتن كلمة وزن، باللاتينية gravitas، للإشارة إلى تأثيرات ما نسميه الآن الجاذبية، وقام بتعريف قوانين الجاذبية العامة.
قال الرئيس السابق للجمعية الملكية البريطانية مارتن ريس "لقد أظهر أن القوة التي تجعل التفاحة تسقط والتي تبقينا على الأرض، هي القوة نفسها التي تبقي القمر والكواكب في مداراتها".
أما مؤرخ الرياضيات في جامعة ميلتون كينز المفتوحة في المملكة المتحدة جيريمي جراي، فقال للموقع نفسه إن "نظريته (نيوتن) في الجاذبية لم تكن لتوفر لنا تحديد المواقع العالمية للأقمار الصناعية، لكنها كانت كافية لتطوير السفر إلى الفضاء".
قانون الجاذبية
ينص قانون الجاذبية لنيوتن، على أن أي جسم من المادة في الكون، يجذب أي جسم آخر بقوة تتغير بشكل مباشر كناتج للكتل وعكساً كمربع المسافة بينهما.في الرموز، حجم القوة الجذابة F يساوي G (ثابت الجاذبية، وهو رقم يعتمد حجمه على نظام الوحدات المستخدمة وهو ثابت عالمي) مضروباً بحاصل ضرب الكتل (m1 و m2 ) ومقسوماً على مربع المسافة R:
F = G (m1m2) / R2
طرح إسحاق نيوتن قانون الجاذبية في العام 1687، واستخدمه لشرح الحركات المرصودة للكواكب وأقمارها، والتي اختصرها يوهانس كيبلر إلى الشكل الرياضي في أوائل القرن الـ17.
قوانين نيوتن
بعد رؤيته للتفاحة، طور نيوتن قوانين الحركة الـ3، التي تصف العلاقة بين القوى المؤثرة على الجسم وحركة الجسم، والتي صاغها نيوتن أولاً لتشكل أساس الميكانيكا الكلاسيكية.
.

تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك أو إذا كان لديك أي استفسار